فى الآونة الأخيرة تكاتفت كل الجهود لتلويث بيئة نهر النيل والتعدى عليه وكأنها قد خططت مسبقا للإيذاء بشريان الحياة فى مصر ، فهل قمنا بثورة لتصل مخالفات التعدى على نهر النيل إلى أكثر من عشرين ألف مخالفة بعد الثورة ، إن ما نفعله به أشد وطأة وخطرا من أزمة سد النهضة ، فالحكومات أجرمت فى حقه واصابته بالعديد من الأمراض فمياه الصرف الصحي تجرى فى عروقه والمصانع تزرع السم على شطآنه ، وقصور الوزراء ورجال الأعمال تعتصر قلبه ، وتعديات الأهالى تقطع لسانه ، وصراع أمريكا وروسيا وإسرائيل يجمد شريانه ، وعناد أثيوبيا يشل روافده ، لقد كثرت التعديات من أعمال خرسانية وحوائط طوبيه وتشوينات وردم داخل مجرى النيل وإقامة أسوار ومبانى وعشش مما يكلف الدولة أموالا باهظة نحن فى غنى عنها … إن مصر تخسر سنويا أكثر من 3 مليار جنية أى ما يعادل أكثر من 6% من إجمالى الناتج القومي نتيجه لملايين الأطنان من الملوثات الصناعية والزراعية والسياحية التى تلقى فى نهر النيل والمصارف والترع المائية بالإضافة إلى إهدار أكثر من 2 مليار متر مكعب من المياه سنويا … وتعد المخلفات الصناعية والتى عادة ما تخرج من المصانع محملة بالرصاص والمعادن الثقيلة التى تفتك بصحة الإنسان وتصيبه بالعديد من الأمراض من أخطر أنواع المخلفات التى تصب بنهر النيل ، وأن مراحل تنقية مياه النيل وإضافة الكلور اليها ينقى المياه من البكتريا فقط ولكنه لا ينقيها من المعادن الثقيلة والمخلفات الصناعية من معادن ضارة مما يؤدي إلى وفاة حوالى 17 الف طفل سنويا بالنزلات المعوية بالإضافة إلى إرتفاع نسبة مرضى الفشل الكلوي وسرطان المثانة نتيجة للتلوث ، وأوضحت الدراسات أن تلوث نهر النيل أدى إلى خسارة كبيره بالإنتاج الزراعى وان 50% من فاقد الإنتاج الزراعى سببه الرئيسى يعود إلى تلوث المياه ، بالاضافه إلى خسائر فى الأحياء المائية والأسماك ، وكان لطائرات رش المبيدات كذلك دور كبير فى تلوث نهر النيل لأن هذه المبيدات كان نصفها يسقط فى النيل ويتسبب فى نفوق أسماك تقدر بالاف الأطنان ، ولخطورة هذا التصرف تم وقف العمل به بالاتفاق مع وزارة الزراعة … ويجب علينا أن نعلم أن التعامل مع الإزالات والتطهير أعمال مكلفة جدا من خلال رفع مخلفات وإزالة مبانى وعشش واكشاك وأسوار وحجارة وصب خرسانى بالإضافة إلى تشوينات زلط ورمل وسماد واتربه وحظائر مواشى ، فضلا عن التأثير البشرى والحيواني لأستحمام الإنسان والحيوان وغسل الاوانى والملابس والقاء جثث الحيوانات النافقه فى الترع ، اضافه لانتشار النباتات المائية مثل ورد النيل … وتكمن مشكلة تلوث نهر النيل فى شيوع مسؤلية نهر النيل وعدم وجود جهة واحدة مشرفة عليه ، حيث تفرقت مسؤلية الرقابة عليه بين وزارات عديده مثل الرى والصحة والإسكان والبيئة والداخلية ، فمثلا وزارة الزراعة يتبعها الجزر النيليه ووزارة الرى مسئوله عن الرى والترع والمصارف وتوزيع كميات المياه ، ووزارة الصحة تسحب عينات من المياه للتأكد من صلاحيتها للشرب ، والبيئة جهة رقابية على النيل ، ورغم ذلك فإن معظم الوزارات السابقة تشترك فى تلويثه بالمخلفات ، فمحطات الصرف الصحى تابعه لوزارة الإسكان ، والمصانع تابعة لقطاع الاعمال ، والنوادى المنتشرة على ضفافه تابعة لكل الجهات الحكومية … لذلك يجب على الدولة بجميع هيئاتها ومؤسساتها التكاتف معا من أجل الحفاظ على شريان حياة المصريين من التلوث مع سن قوانين أكثر جرأة وتفعيلها التى تحرم على الهيئات الصناعية الاضرار بمياه النيل وتكون بشكل رادع وعدم صرف مخلفاتها دون معالجة والتأكد من حجز المواد السامة من الماء المتصرف ، كما يجب علينا عدم إلقاء الفضلات والمخلفات والقمامه والحيوانات النافقه فى النيل وروافده ، مع مراقبة التغير فى المياه ومتابعة سلوك الأحياء الحساسة والتى يعتمد عليها فى قياس نقاوة الماء وتعرف بمؤشرات البيئة ، وفى مجال الزراعة يفضل اللجوء إلى المقاومة الميكانيكية والبيولوجية بدلا من المبيدات الكيميائية واختيار أقلها سمية واستخدام السماد البلدى بدلا من الكيماوي .