تقرير: أوضاع مأساوية للعمالة الأجنبية في قطر بسبب كورونا

تحت عنوان ”العمال المهاجرون لا يستطيعون تحمل العزل“ قالت مجلة ”فورين بوليسي“ في تقرير نشرته اليوم الخميس، إنه في الوقت الذي تسابق فيه قطر الزمن لاستكمال البناء في مشروعات كأس العالم لكرة القدم 2022، فإن جيش العمال الصغير من جنوب آسيا في الخطوط الأمامية لوباء ”كورونا“.

هناك أكثر من مليوني عامل مهاجر في قطر، وهو رقم ضخم للغاية، في ظل أن التعداد الإجمالي للسكان في قطر يصل إلى 2.6 مليون نسمة.

وخلال السنوات الأخيرة تضخم عدد العمال المهاجرين في قطر، التي شهدت طفرة بنائية عملاقة، في ظل استعدادها لاستضافة كأس العالم 2022، الذي من المقرر إقامته هناك، ومعظم هؤلاء العمال جاؤوا من قرى في جنوب آسيا، وفي بعض الأحيان بعد أن دفعوا آلاف الدولارات إلى أرباب العمل للحصول على وظيفة، وذلك على أمل انتشال عائلاتهم من الفقر.

ظروف مأساوية

وفي الوقت الذي ينتشر فيه فيروس ”كورونا“ في قطر، التي سجلت حتى الآن أكثر من ألفي حالة إيجابية مؤكدة، فإن مساكن العمال المهاجرين الضيقة، ونقص الرعاية الصحية والصرف الصحي المناسب والغذاء، تهدد تلك الجماعة الضعيفة التي تواجه الخطر.

وأضافت المجلة الأمريكية: ”تملك قطر سجلًا طويلًا من انتهاك واستغلال العمالة المهاجرة، وهو ما أثار انتقادات دولية واسعة النطاق خلال السنوات الأخيرة، تلك الانتهاكات التي ترتقي في بعض الأحيان إلى السخرة والاتجار في البشر، تفاقمت في ظل عجز حكومات دول جنوب آسيا عن الضغط من أجل حماية عمالها. يقول منتقدون إنه لا توجد رغبة سياسية قوية في ضوء الناتج الإجمالي المحلي الذي يصل إلى تلك الدول من التحويلات المالية للعمال في الخارج“.

وتشير الصحيفة إلى أن ”الضغوط الخاصة بضرورة إنهاء الأعمال قبل كأس العالم، تضع العمالة الأجنبية في قطر أمام مخاطر هائلة في ظل تفشي فيروس كورونا“.

ومع بقاء أقل من 1000 يوم على انطلاق كأس العالم في قطر، فإن العمال المهاجرين يواصلون أداء عملهم في الملاعب ومشروعات البنية التحتية، التي تقدر بحوالي 200 مليار يورو.

وفي الوقت الذي أغلقت فيه قطر جميع الأماكن العامة، فإن هؤلاء لا يزالون يقومون بأعمالهم في سلسلة من المشروعات، رغم تأكيد انتشار مئات الحالات المصابة بفيروس ”كورونا“ في التجمعات العمالية.

وقال أحد العمال في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي ”تويتر“: ”كيف يمكن للعمال الحفاظ على المسافة الاجتماعية بينهم، وهم يذهبون إلى المصانع ومواقع البناء، حيث يعمل أكثر من 200 شخص سويًا، ويستقلون نفس الحافلة“.

حالات وفاة

منذ بدء العمل في مشروعات كأس العالم قبل 6 سنوات، فإن 34 عاملًا لقوا حتفهم، من ضمن هؤلاء تم تصنيف 31 حالة وفاة على أنها حدثت خارج إطار العمل، وهي عبارة تستخدم في وصف الوفيات بأنها حدثت فجأة نتيجة أزمة قلبية أو تنفسية، ومات مئات آخرون خلال أعمالهم في مشروعات أخرى، ومثلما يحدث مع مشروعات كأس العالم، فإن الحكومة تعزو تلك الوفيات إلى أمراض القلب والأوعية الدموية أو الوفاة الطبيعية.

ونشرت صحيفة Cardiology بحثًا العام الماضي حول العلاقة بين التعرض للحرارة العالية ووفاة أكثر من 1300 عامل نيبالي خلال 9 سنوات حتى عام 2017.

ووجد علماء المناخ وأمراض القلب علاقة قوية بين الضغط المتعلق بحرارة الجو وحالات الوفاة التي حدثت للعديد من العمال الشباب نتيجة مشكلات في القلب خلال أشهر الصيف.

إصابات في صفوف العمال

يوم 11 آذار/مارس الماضي، تأكدت إصابة 238 عاملًا بفيروس ”كورونا“ المستجد في المنطقة الصناعية الشاسعة التي تضم مصانع ومساكن العمال، على أطراف العاصمة القطرية الدوحة.

ومنذ ذلك الحين تم اكتشاف عشرات الحالات الأخرى، التي يبدو أنها جاءت نتيجة الاختلاط مع الحالات السابقة.

وليس من الواضح حتى الآن الحجم الحقيقي للإصابات في صفوف العمال المهاجرين، حيث لم تعط الحكومة أي أرقام رسمية حول عدد الإصابات لديهم، كما أن بعض العمال يخشون من الحديث عن وجود أعراض الإصابة بالمرض لديهم.

وقالت مدير قسم مبادرة الهجرة الدولية للمجتمع المفتوح، إليزابيث فرانتز: ”الكثير من العمال يشعرون بالقلق الشديد إزاء إمكانية ترحيلهم في حالة ثبوت إصابتهم بفيروس كورونا، وبالتالي فإن هناك تخوفا من الإبلاغ عن وجود أعراض، أو التعرض لاختبارات، ومن هنا يكونون مجبرين على العمل مع احتمال إصابتهم بالفيروس، ما يعرضهم والمرافقين لهم لمخاطر صحية جسيمة. يجب أن تكون هناك ضمانات بعدم ترحيل أي عامل تثبت إصابته بالفيروس، أو يتم اكتشاف وجود أعراض الإصابة عليه، يجب أن يحصلوا على تأكيدات بأنه لن يتم فصلهم من أعمالهم إذا كانوا مرضى“.

وعود قطرية وهمية

وفي أعقاب تأكيد وجود المئات من الحالات المصابة بفيروس ”كورونا“ في صفوف العمال المهاجرين، فإنه تم فرض العزل الصحي على جزء كبير من المنطقة الصناعية.

وأكدت السلطات أن هذا العزل لن يؤثر على الاحتياجات اليومية للعمال، وأن هناك تنسيقًا مع الشركات للاستمرار في الوفاء بمتطلبات العمال، وسداد أجورهم في مواعيدها الطبيعية، وهناك إجراءات إضافية سيتم اتخاذها لمنع انتشار الفيروس.

وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى ”فورين بوليسي“، أكد مكتب الاتصال التابع لحكومة قطر أنه تم إرسال ألف سيارة نقل محملة بالبضائع إلى المنطقة الصناعية يوميًا لتقديم المساعدات إلى العمال، وأن الحكومة ستعزز نقاط التفتيش على مواقع العمل، وسوف تراقب الشركات للتأكد من سداد الأجور في مواعيدها.

وقالت المجلة الأمريكية إنه رغم ما تؤكده الحكومة القطرية، فإن العمال يرسمون صورة مختلفة تمامًا للوضع القائم حاليًا.

وقال ”ناريندا“ وهو عامل نيبالي يعمل في قطر: ”الوضع خطير للغاية، أتحدث بشكل منتظم مع العمال المتواجدين في المنطقة الصناعية، حيث تم فرض العزل الصحي… أرباب العمل لا يسمحون لهم بالخروج لشراء الطعام، والشركات لا تقدم الطعام لهم، كما أنه ليس لديهم أي حق في طلب الدعم“.

قنبلة موقوتة

وفي الوقت الذي لا يزال فيه فيروس ”كورونا“ يواصل الانتشار في قطر، فإنه من الضروري أن تلتزم السلطات القطرية ليس فقط بإجراء الاختبارات على العمال المهاجرين، لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بالعدوى أم لا، ولكن يتعين عليها أيضًا أن توفر لهم الرعاية الطبية المناسبة.

وهناك مطالبات بتمكين غير القادرين على العمل -سواء نتيجة العزل الصحي أو إصابتهم بفيروس ”كورونا“- من الحصول على أجورهم وأن تكون لديهم فرصة الاطلاع على الإجراءات الوقائية اللازمة في مواجهة الوباء، وما لم يحدث ذلك فإنه من المؤكد حدوث انفجار في الحالات المصابة بين العمال المهاجرين.

ويقول العامل النيبالي ”ناريندا“ لـ“فورين بوليسي“: ”هناك خطر كبير من انتشار العدوى بين العمال، ونحن لا نعلم ما إذا كان هؤلاء العمال سيحصلون على أجورهم كما هو مقرر أم لا، لا نعلم ما إذا كانت السلطات ستطلب منا مغادرة البلاد أم لا، الناس هنا ليس لديهم فرصة الحصول على الطعام“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *