أثار قرار إغلاق بعض البنوك العاملة في الضفة الغربية المحتلة، لحسابات عائلات الشهداء والأسرى، موجة غضب عارمة بين الفلسطينيين، خصوصا وأن هذا القرار يأتي تماشيا مع تهديدات السلطات الإسرائيلية بملاحقة تلك البنوك في حال تم صرف رواتب الأسرى والشهداء، واعتبارها بأنها تدعم “الإرهاب”.
وتم تحذير البنوك الفلسطينية بعدم تنفيذ عمليات ممنوعة تتعلق بأموال على علاقة بـ”الإرهاب”، وإمكانية تعريضها لدعاوى قضائية، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، موضحة أن القرار سوف يدخل حيز التنفيذ في 9 مايو/أيار الجاري.
وبموجب التحذير الإسرائيلي، فإنه في حال استمرار البنوك في الاحتفاظ بحسابات الأسرى والمقدرة بنحو 12 مليون دولار شهريا، سيكون مدراء وموظفو البنوك “شركاء في الجريمة”، وبالتالي تعريض أنفسهم لعقوبة تصل إلى سبع سنوات سجن وغرامة باهظة.
ورصد بعض تغريدات النشطاء الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي في “فيسبوك” و”تويتر”، والتي عبروا فيها عن غضبهم من سياسة البنوك التي اعتبروها استجابة لضغوطات وتهديدات الجيش الإسرائيلي.
مسؤولية سلطة النقد
وكتب الأسير المحرر شريف طحاينة من مخيم جنين على صفحته في فيسبوك “فيما يخص إغلاق بنك القاهرة عمان لحسابات الأسرى، فإن المسؤول عن عمل البنوك هي سلطة النقد، واعتقد أنها تتحمل مسؤولية هذا الأمر”.
وأضاف طحاينة “بعض الأخوة ينشرون قرارا موقعا من قبل محامٍ إسرائيلي، هذا يعمل لصالح جمعية استيطانية”، مشيرا إلى أن “موقف السلطة الفلسطينية من رواتب ذوي الشهداء والأسرى إيجابي، وقد تحملت وما زالت من أجل هذا الموضوع”.
وتساءل “هل يعقل أن تستجيب البنوك وتتخلى عن شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني؟”.
وتابع “بناءً على ما سمعناه أنه جرى لقاءات مع سلطة النقد وبعض البنوك للبحث عن حل، ولكن إلى الأن لم يتم التوصل لشيء”، مشددا على أن هذه قضية وطنية وإنسانية، وتستدعي أن يكون هناك تحرك من قبل المؤسسات التي تعنى بالأسرى والمؤسسات الحقوقية، وكذلك تحرك جماهيري من أجل وقف هذه المؤامرة”.
وعلق الناشط نضال صومان “إن كان لدى السلطة نوايا صادقة تجاه ما يجري، عليها اتخاذ إجراءات تنفيذية وفقا لبرنامج وخطة لمواجهة الخطوة الإسرائيلية تجاه ملف الأسرى، كونها قضية وطنية ومن الثوابت الفلسطينية، غير ذلك تكون السلطة مشاركة بطريقة غير مباشرة في سكوتها ونأمل أن نكون على خطأ”.
أما الناشط علاء كيلاني، فقال “المشكلة إن بعض البنوك لانت للضغط الإسرائيلي والترهيب وأغلقت الحسابات (..) الرئيس مش راح يلف على الأسرى يقبضهم بالإيد، موقف الرئيس والسلطة والمنظمة ثابت، والمعضلة في تقييد الأليات النقدية”.
أما أبو السيد زيود فكتب:”الرئيس أبو مازن وعد أنه لو أخر فلسا في خزينة الدولة، سيذهب للأسرى والشهداء والجرحى وعائلاتهم، ومهما صار سيجدون حلاً لهم”.
بدوره، قال يوسف نزال إن “البنوك التي خضعت لقرار الجيش الإسرائيلي بإغلاق حسابات الأسرى، عليها تأكيد إن كانت تأخذ أوامرها من السلطة الفلسطينية أو من إسرائيل، فإن كانت تأخذ قرارها من إسرائيل، فعلى إسرائيل حماية البنوك من جيش الأسرى”.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد في وقت سابق، أن المساس برواتب الشهداء والأسرى خط أحمر، ولن يسمح العبث به، مضيفاً أنه “لو بقي فلس واحد سيصرف لهم ولعائلاتهم”.
من جهته، أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدري أبو بكر، أن اغلاق بعض البنوك حسابات الأسرى والشهداء، جاء بعد قرار القائد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
وقال أبو بكر في تصريحات اليوم الخميس “بالفعل هناك بعض البنوك قامت بإغلاق حسابات الشهداء والأسرى، ومن ضمنها البنك العربي وبنك القاهرة عمان وغيرها، واشترطوا على الأسرى إغلاق حساباتهم”.
وأضاف “تخشى البنوك من وضع اليد على أموال الأسرى والمحررين، وأن تتم إجراءات ضدها بما فيها رفع دعاوى من قبل المستوطنين”.
وتابع أبو بكر “نحن الآن في طور النقاش مع هذه البنوك للتوصل إلى حلول”، لافتاً إلى أن السلطات الإسرائيلية بقيادة وزير الدفاع نفتالي بينيت، تحاول الإسراع في هذه الخطوة قبل تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل.
ورغم العديد من الشكاوى من قبل الأسرى الذين تفاجئوا بهذا القرار من البنوك، رد محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوا، على سؤال حول تلك الشكاوى خلال مؤتمر صحافي في رام الله بالقول إنه “حتى الآن لم تغلق البنوك حسابات”، مشيرا إلى أنه سمع عن ذلك من خلال الإعلام وليس على أرض الواقع، مؤكدا أن العمل جار لمتابعته للاطمئنان من أن كل شيء يسير حسب التعليمات والنظام المصرفي الفلسطيني.
صفقة القرن
من جهتها، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن الاعتداء على حقوق الأسرى المالية وحساباتهم المصرفية، تساوق علني مع “صفقة القرن“، مشيرة إلى أن البنوك والمصارف تضع نفسها في موقع الإذعان للاشتراطات الإسرائيلية.
وطالبت الجبهة الشعبية في بيان صدر عنها، اليوم الخميس، سلطة النقد والحكومة الفلسطينية، بالضغط على البنوك، لوقف سياساتها الظالمة على الموظفين الفقراء، في ظل ضربها بعرض الحائط كل القرارات الحكومية، بالتخفيف من معاناة الموظف في ظل الأزمة الراهنة.
وأضافت أنه “بدلا من أن تقوم البنوك بالتخفيف من الأعباء المالية عن الموظفين في ظل الحصار الخانق والأوضاع المعيشية الصعبة، وتداعيات وباء كورونا، واصلت سياسة نهب المال من جيوب الفقراء لصالح رأس المال من خلال التلكؤ في تنفيذ قرار سلطة النقد والحكومة، بالتوقف عن إجراء خصومات للموظفين لمدة 4 شهور”.
يذكر أن البنك العربي من أوائل البنوك التي أوقفت حسابات الأسرى، وذلك منذ عدة سنوات، إثر ملاحقات قضائية تعرض لها البنك في الولايات المتحدة.
يشار إلى أن السلطة الفلسطينية واجهت ضغوطا كبيرة فيما يتعلق بملف الأسرى، وصلت إلى حد اقتطاع ما تدفعه السلطة لهم من أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل عن البضائع المستوردة من خلال الموانئ والمعابر للأراضي المحتلة نيابة عن السلطة الفلسطينية.