بدأت القوات العراقية، التحقيق مع مقاتلين موالين لإيران، اعتقلتهم فجرا؛ على خلفية الهجمات الصاروخية ضد المصالح الأمريكية في البلاد، في سابقة قد تمهد لمواجهة سياسية أو عسكرية في العراق، ضحية النزاع بين واشنطن وطهران.
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، استهدف أكثر من 33 صاروخا منشآت عراقية تستضيف دبلوماسيين أو جنودا أجانب، إضافة إلى السفارة الأمريكية في بغداد، منها ست هجمات، خلال الأسبوعين الماضيين فقط.
وليل الخميس الجمعة، نفذت قوة النخبة من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، عمليات دهم، استهدفت منفذي الهجمات
ويضم جهاز مكافحة الإرهاب قوات النخبة الأفضل عتادا وتدريبا، وأنشأه الأمريكيون بعيد الغزو في العام 2003، وعادة ما تناط به المهمات الأكثر صعوبة.
وقال مصدر حكومي ومسؤولان أمنيان، إنه تم اعتقال 14 شخصا في منطقة الدورة في جنوب بغداد، ضبطوا وفي حوزتهم صواريخ معدة للإطلاق.
وأشاروا إلى أن الموقوفين ينتمون إلى فصيل كتائب حزب الله الموالي لإيران، والذي اتهمته واشنطن مرارا باستهداف جنودها ودبلوماسييها بهجمات صاروخية في العراق.
لكن الجيش العراقي، الذي عادة ما يصدر بياناته مباشرة بعد أي هجوم صاروخي، لم يخرج عن صمته حتى ظهر الجمعة.
وأصدر الجيش بيانا عن الاعتقالات من دون تحديد انتماء الأشخاص المعتقلين.
أمن الحشد
وأوضح البيان أن الأجهزة المعنية رصدت ”نوايا جديدة لتنفيذ عمليات إطلاق نار على أهداف حكومية داخل المنطقة الخضراء، وتم تحديد أماكن تواجد المجموعة المنفذة لإطلاق النيران استخباريا، وأعدت مذكرة إلقاء قبض أصولية بحقهم من القضاء العراقي وفق قانون مكافحة الإرهاب“.
وقد تصل الأحكام بموجب قانون مكافحة الإرهاب في العراق إلى الإعدام.
وأضاف البيان أن جهاز مكافحة الإرهاب ألقى القبض على ”14 متهما، وهم عديد كامل المجموعة مع المبرزات الجرمية“، مشيرا إلى أنه بعد ذلك أودع المتهمون ”لدى الجهة الأمنية المختصة حسب العائدية؛ للتحفظ عليهم إلى حين إكمال التحقيق والبت بموضوعهم من قبل القضاء“.
ولم تصدر الحكومة السابقة سوى بيانات شجب خجولة، وأكدت في مناسبات عدة عدم تمكنها من إلقاء القبض على منفذي الهجمات.
لكن حكومة مصطفى الكاظمي التي استلمت السلطة قبل نحو شهرين، تبنت استراتيجية جديدة حازمة.
وأكدت بعد كل هجوم العثور على منصات إطلاق الصواريخ، متعهدة بملاحقة المسؤولين عنها.
وأشار بيان الجيش إلى أنه بعد إتمام العملية، ”تحركت جهات مسلحة بعجلات حكومية وبدون موافقات رسمية نحو مقرات حكومية من داخل المنطقة الخضراء وخارجها، تقربت من أحد مقار جهاز مكافحة الإرهاب داخل المنطقة الخضراء“ في بغداد.
ومن دون ذكر الجهة، ألمح البيان بذلك إلى فصائل موالية لإيران، ككتائب حزب الله المرتبطة بإيران.
وكتائب حزب الله جزء من الحشد الشعبي الذي تشكل بفتوى دينية في العام 2014؛ لمواجهة تنظيم داعش، وتم اعتباره في ما بعد جزءا من القوات العراقية الرسمية.
وبات الحشد الشعبي الذي قاتل المتطرفين إلى جانب القوات الأمنية العراقية وتحت مظلة طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، قوة نافذة في البلاد مع عشرات المقاتلين وثاني أكبر تمثيل في البرلمان.
لكن الحشد أكد مرارا أن لا علاقة له بالهجمات الصاروخية.
من جهته، رحب فصيل كتائب حزب الله بالهجوم الصاروخي الذي أودى بجنود أمريكيين وبريطانيين، من دون أن يتبناه، منددا بما سماها ”قوات الاحتلال“.
وبعيد عملية الاعتقال فجرا، علق أحد المتحدثين باسم الكتائب ويدعى أبو علي العسكري، قائلا: ”أراد هذا المسخ المسمى الكاظمي أن يضيع قضية مشاركته بجريمة قتل الشهيدين ورفاقهما، ويقدم عربون عمالة جديدا لأسياده الأمريكان“.
شعبية
وبلغ التوتر ذروته بين واشنطن وطهران، في كانون الثاني/يناير، عندما قتلت الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، في غارة نفذتها طائرة مسيرة في بغداد.
ومنذ ذلك الحين، بدا الحشد جنبا إلى جنب مع الكاظمي لتشكيل حكومته، في بلد يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، في حين واصلت كتائب حزب الله وحدها اتهام رئيس الحكومة بالتواطؤ في عملية الاغتيال.
وفي دلالة على جهوزية الكاظمي للتعاون مع الحشد الذي يعترف بشرعيته، قال مصدر في مديرية أمن الحشد الشعبي، طالبا عدم كشف هويته، إن ”المجموعة التي ألقي القبض عليها موجودة لدى أمن الحشد، ويتم التحقيق معها لعرضها أمام قاضي الحشد“.
لكنه أضاف: ”تعرضنا لضغوط وتهديد من كتائب حزب الله“ لإطلاق سراح أفرادها
وبهذه الخطوة غير المسبوقة ضد فصيل كان يعتقد أنه لا يمكن المساس به، ”استعاد الكاظمي شعبيته التي استنزفها بالقرارات الاقتصادية الأخيرة“، ضمن سياسة التقشف، بحسب ما قال المحلل السياسي هشام الهاشمي.
وتأتي الخطوة مع بدء الولايات المتحدة والعراق محادثات ثنائية، تهدف إلى وضع إطار عمل لوجود القوات الأمريكية في البلاد، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية، وخفض عديد الجنود الأمريكيين في البلاد، والذين بلغ عددهم نحو 5200 العام الماضي.
وقال الهاشمي، إن ”التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة سعيد للغاية بهذه الخطوة“، خصوصا وأن الكاظمي، بحسب مقربين منه، يستعد لزيارة واشنطن، وهي رحلة لم يحظ بها سلفه خلال عام ونصف عام في السلطة.