تطمح جيبوتي التي طالما اعتبرتها القوى العظمى مركزا عسكريا متقدما، إلى استثمار موقعها الاستراتيجي عند مدخل عدن لتصبح مركزا تجاريا في إفريقيا الشرقية.
وفي الإجمال هناك 14 مشروعا في البنى التحتية في جيبوتي تقدر كلفتها بـ14,4 مليار دولار ممولة بشكل رئيسي من مصارف صينية. وهي استثمارات عملاقة قد تصل إلى حد المغالاة بالنسبة لبلد يقل تعداده السكاني عن مليون نسمة.
وقد انطلق هذا البلد الصغير الواقع في منطقة القرن الإفريقي بمحاذاة أحد الممرات البحرية الأكثر استخداما في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس، في مشاريع بنى تحتية ضخمة.
فعلى ساحل قاحل على بعد بضعة كيلومترات من المرفأ التاريخي للمدينة حيث ترسو بوارج حربية وسفن شحن إضافة إلى قوارب صيادي الاسماك، ينهمك عمال صينيون لبناء رصيف جديد مخصص كليا لحاملات الحاويات الآتية من آسيا.
وهذا الرصيف هو الأول من سلسلة 6 موانئ جديدة متخصصة (للمعادن، المواشي، النفط والغاز) سترى النور في جيبوتي لتضاف إلى المرفأين الموجودين أصلا.
وقال سليمان أحمد المكلف التعامل مع الزبائن في ميناء دورالي المخصص للحاويات “إن هناك خطوطا بحرية تهتم أكثر فأكثر بجيبوتي ونحن بصدد اتباع طريق دبي وحتى سنغافورة”، فحركة الذهاب والإياب لسفن الشحن في تزايد مستمر بنسبة تتراوح بين 6 و10% سنويا.
وأضاف أحمد “ان مومباسا (كينيا) تشهد ازدحاما خانقا واريتريا ليست بلدا مضيافا فيما تعد جيبوتي مكانا استراتيجيا وآمنا ونحن نعول على ذلك”.
منطقة مضطربة
فهذه الجزيرة الصغيرة تقع في منطقة مضطربة، يحكمها بيد من حديد الرئيس اسماعيل عمر غيله. وتضم المستعمرة الفرنسية السابقة قواعد عسكرية أجنبية عدة (فرنسية، أميركية، يابانية)، تستخدم لمكافحة القرصنة في خليج عدن أو لعمليات ضد الإسلاميين في الصومال واليمن.
وفي مطلع مايو أكد الرئيس غيله في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن محادثات تجري أيضا لاقامة قاعدة صينية.
لكن جيبوتي باتت عازمة أيضا على فرض نفسها كنقطة عبور اقتصادية مميزة بين آسيا وافريقيا.
وأوضح أبوبكر عمر هادي رئيس سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي وهو يدل بيده إلى خارطة لإفريقيا معلقة على حائط مكتبه “من مصر إلى جنوب إفريقيا لا يعد الساحل الشرقي لافريقيا سوى تسعة بلدان ساحلية. وهذا الموقع الجغرافي جعل عشر دول جيوبا محصورة لا منفذ لها على البحر وتعد اربعمئة مليون نسمة. وهؤلاء هم الذين نريد خدمتهم”.
وفي الوقت الحاضر تؤمن موانئ جيبوتي بشكل رئيسي خطوط مواصلات مع اثيوبيا ومستهلكيها المقدر عددهم بتسعين مليون نسمة. لكنها تطمح لتغطية كامل القارة. وفضلا عن تنميتها المرفئية تريد جمهورية جيبوتي اضافة مطارين جديدين وسكك حديد ومناطق صناعية.
وفي إطار هذه الخطة الإنمائية سيحل مكان مطار امبولي الصغير حيث تتقاسم طائرات الميراج الفرنسية المدرج الوحيد مع الطائرات المدنية، مطار دولي بقدرة استيعابية لـ 1,5 مليون مسافر سنويا على بعد 25 كلم من العاصمة جيبوتي.
وتنمية حركة العبور جوا وبحرا سيسمح بتقليص مدة شحن حاوية بين شنغهاي (الصين) وابوجا (نيجيريا) من 75 يوما حاليا إلى 20 يوما.
وقال النائب المعارض الجيبوتي دواله اغه اوفله (ائتلاف الاتحاد من أجل الإنقاذ الوطني) غاضبا “لم تجر اي دراسة للسوق كما لم يستشر البرلمان مطلقا”، معبرا عن قلقه من المخاطرة المالية التي تمثلها هذه المشاريع لجيبوتي.
وأضاف “عندما كنا نحصل على القروض من البنك الدولي ومؤسسات غربية كانت هناك بعض المراقبة. والآن مع الصينيين نحصل على كل القروض الممكنة، لكافة المشاريع، بدون اي رقابة”، متوقعا وضع يد الصين على هذه البنى التحتية الجديدة ان لم تتمكن جيبوتي من تسديد ديونها.
لكن الحكومة الجيبوتية تراهن من جهتها على النمو الاقتصادي الإفريقي لتأمين ربحية هذه الاستثمارات.
ولفت ابوبكر عمر هادي إلى أنه “قبل دبي وسنغافورة وهونغ كونغ كانت المراكز الاقتصادية والبحرية في المنطقة تتمثل بعدن وجيبوتي”.
وأشار الى الفترة قبل أزمة السويس التي كانت فيها جيبوتي محطة الزامية لسفن شحن البضائع. وقال “للأسف لقد تقهقرنا. لكننا نعلم ما يتوجب فعله لاستعادة مكانتنا”.