يقوم العاهل المغربي محمد السادس هذه الأيام بزيارة إلى دول عدة في القارة السمراء منها السنغال والغابون وغينيا بيساو، وتعتبر الزيارة توجها جديدا في السياسة المغربية، حيث انسحبت المملكة من منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، الاتحاد الإفريقي حاليا احتجاجا على الاعتراف بالصحراء الغربية.
وتتصدر هذه الزيارة 3 ملفات رئيسية هي: الصحراء والاقتصاد والأمن، عن ملامح الزيارة والاهتمام المغربي الجديد بإفريقيا يقول المعطي منجب، باحث في معهد الدراسات الإفريقية بالعاصمة المغربية الرباط، لفت إلى أن “الاهتمام المغربي بأفريقيا، في هذه المرحلة، يستهدف بشكل رئيسي ملف الصحراء، فالمغرب لم يهتم كثيرا بإفريقيا خلال الثمانينات والتسعينات، وهو ما جعله ينسحب من منظمة الوحدة الإفريقية (تسمى حاليا الاتحاد الإفريقي) إثر اعترافها بالبوليساريو، وأعتقد أن المغرب يدرك الآن أن ذلك لم يكن صائباً”.
وانسحب المغرب من الاتحاد الإفريقي عام 1984 احتجاجا على قبول منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك عضوية ما يسمى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”( الدولة التي أعلنت عنها جبهة البوليساريو من طرف واحد وتطالب بانفصالها عن المغرب).
وتابع منجب في حديثه لمراسل الأناضول أن بلاده “تريد العودة إلى إفريقيا من أجل التأثير على بعض دولها، خصوصا فيما يتعلق بموقفها من قضية الصحراء”.
من جهته، اعتبر خالد الشكراوي الخبير في الشؤون الإفريقية والعربية للأناضول أن توجه المغرب إلى إفريقيا “أملته أمور اقتصادية وأمنية وسياسية”، موضحاً أن “الملف الاقتصادي هو أحد أهم محاور التوجه الجديد للمغرب نحو إفريقيا، خاصة أن بعض الدول الإفريقية قد لا تتوافق مع المغرب سياسيا، ولكن تربطهما شراكة اقتصادية”.
وأبرز الشكراوي أن النموذج الذي يقدمه المغرب في توجهه القاريّ، هو نموذج “رابح رابح (بمعنى فائز على كل المستويات)، حيث يستهدف الشراكة مع الدول الإفريقية، على مستوى القطاعين العام والخاص”.
واعتبر أنه “بحكم الأزمة التي تعرفها أسواق المغرب التقليدية (في إشارة إلى أوروبا)، جعل السوق الإفريقية هي الخيار الجديد للمستثمرين المغاربة”، مشيراً إلى أن “انفتاح المغرب على إفريقيا له أهداف اقتصادية بدرجة أولى يتبعها الأمن، ثم بعد ذلك الأمور السياسية”.
وأضاف أن زيارة العاهل المغربي الحالية لأفريقيا “تأتي في إطار مخطط استراتيجي بدأه العاهل المغربي منذ مدة، وتجاوبت معه العديد من الدول الأفريقية، التي بدأت تسعى لعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي”.
واستدل الشكراوي على طرحه بأنه “منذ 1984 وحتى الأن، عدد الدول الإفريقية التي تعترف بالبوليساريو لا تتجاوز 16 دولة، من إجمالي 53 دولة أفريقية”.
واتفق محمد ياوحي أستاذ الاقتصاد بجامعة بن زهر بمدينة أجادير (جنوبا) مع الشكراوي، قائلاً إن “المغرب هو المخاطب الأساسي لدى العديد من الدول الأوروبية كوسيط للاستثمار في أفريقيا، نظراً لموقعه الاستراتيجي، وباعتبار السوق الأفريقية سوق كبيرة ومهمة بتعداد سكان القارة الذي يتجاوز المليار نسمة”.
وأضاف “كما أن أفريقيا تعتبر سوقاً استثماريا لرؤوس الأموال المغربية التي تبحث عن الحضور في السوق الأفريقية، ومنفذاً لتصدير السلع والخدمات المغربية، خاصة في مجالات الاتصالات والبنوك”.
من جهته، دعا محمد نظيف الخبير الاقتصادي المغربي، الدول الأوروبية إلى “التوسع والاستثمار بإفريقيا عبر المغرب، وعقد شراكة ثلاثية، حيث تعتبر المغرب مكانا مناسبا لفتح فروع للشركات الدولية فيها كمرحلة أولى، ثم التصدير منها إلى أفريقيا في المرحلة الثانية، خاصة في ظل التطور الذي تعرفه المغرب حاليا في البنية التحتية ووسائل النقل”، على حد قوله.
واعتبر نظيف أن “تطوير وتيرة التعاملات الاقتصادية بين المغرب وأفريقيا يسهم إيجابا في تحسين العلاقات السياسية بين الطرفين، وبالتالي فالانفتاح المغربي على أفريقيا هو خيار استراتيجي لا غنى لها عنه”.
ويقوم العاهل المغربي بزيارة “عمل وصداقة” إلى كل من السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وغينيا بيساو، منذ نحو شهر، يجري خلالها محادثات مع رؤساء هذه الدول، كما ترأس خلال الزيارة مراسم التوقيع على اتفاقيات ثنائية، وإطلاق مشاريع تعاون لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع هذه الدول.
وعقد المغرب 88 اتفاقية مع كل من الغابون ومالي والكوت ديفوار وغينيا، غالبيتها ذات طابع اقتصادي، خلال زيارة العاهل المغربي لهذه الدول في فبراير /شباط من العام 2014 إلى هذه الدول.
وبدأت قضية إقليم الصحراء منذ العام 1975، بعد إنهاء تواجد الاستعمار الإسباني بها، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى نزاع مسلح استمر حتى العام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي النازحين الفارين من الإقليم بعد استعادة المغرب له إثر انتهاء الاحتلال الإسباني.
ويسود التوتر العلاقات بين الجزائر والرباط منذ عقود بسبب النزاع على الصحراء، ولا تزال الحدود بين البلدين مغلقة منذ العام 1994.