لف الغموض مدينة “بومبي” الرومانية، إحدى المدن الإيطالية الواقعة على سفح جبل بركان فيزوف والتي يطلق عليها مدينة الزنا، لما عرف عن أهل المدينة من الانغماس في الشهوات، إذ كانت تكثر فيها بيوت الدعارة والنشاطات الجنسية.
والمدينة الأثرية التي تم اكتشافها في القرن الـ18 من قبل أحد المهندسين خلال عمله في حفر قناة بالمنطقة، تعج بالأسرار والخبايا التي ما لا زالت حتى اليوم لغزا، رغم العديد من الأبحاث التي أجريت عليها.
ويقول العلماء أن بركانا مفاجئا دمّر المدينة بالكامل، حتى تحول جميع سكانها إلى جثث “إسمنتية” مدفونة تحت الرماد، بعد أن كانت مدينة تعج بالحياة والحضارة، حيث كانت شوارعها مرصوفة بالحجارة و أبنيتها متميزة بفن العمارة، كما كان فيها ميناء بحريا متطورا، وحتى مسارح وأسواق.
مدينة الزنا
واكتشف الباحثون أن هذه المدينة احتوت على أكبر مجموعة من المنحوتات الجنسية الفاضحة واللوحات الجدارية التي كشفت العديد من النشاطات الجنسية غير الطبيعية، كممارسة الجنس مع الحيوانات أو ممارسته مع أكثر من شخص أو حتى الممارسة مع شخص من الجنس نفسه.
ووضعت هذه الجداريات والمنحوتات لفترة في المتحف الأثري الوطني بمدينة نابولي الايطالية، لكن بعد ما شاهدها الملك فرانسيس الأول أثناء زيارته للمنطقة، أمر بنقلها إلى المتحف السري حيث اعتبرها خادشة للحياء، وبقيت تلك الجداريات مخبأة بعيدا لأكثر من قرن.
ويقول الباحثون، أن أهل هذه المدينة الصغيرة كانوا يمارسون الجنس علانية، حتى أمام الاطفال، وكانوا أيضا يستنكرون من يتستر.
إنفجار البركان
بدأ البركان بالثوران ظهيرة 24 أغسطس عام 79 محدثاً سحباً متصاعدة غطت الشمس وحولت النهار إلى ظلام دامس. وحاول سكان المدينة الفرار بعضهم عن طريق البحر ولجأ آخرون إلى بيوتهم طلباً للحماية.
وكان ذلك اليوم معداً لعيد آله النار عند الرومان، ووصف شاهد العيان الوحيد “بليني الصغير” المشهد قائلا إن السحب كانت متصاعدة والبركان كان يقذف نيران هائلة، وتساقط رماد سميك وهزات مصاحبة وارتفاع لمستوى سطح البحر أو مايعرف اليوم بتسونامي، وتحول النهار إلى ليل دامس في المدينة.
والغريب في المدينة ليس فقط اندثارها لمدة تصل 1,600عاما، بل الشكل الذي ظهر به أهل المدينة نفسها بعد تلك المدة، حيث حافظوا على نفس هيئاتهم وأشكالهم التي كانوا عليها قبل انفجار البركان، حتى أن علماء الآثار أشاروا إلى أن 80 جثة تمت دراستها، لم تظهر على أي منها أي علامة للتأهب لحماية نفسها أو حتى الفرار، ولم يبد أحدها أي ردة فعل ولو بسيطة، والأرجح أنهم ماتوا بسرعة شديدة دون أي فرصة للتصرف، وكل هذا حدث في أقل من جزء من الثانية.
ويفسر خبراء الأثار الظاهرة بأن أهل القرية احيطوا بموجة حارة من الرماد الملتهب تصل درجة حرارته إلى 500 سيلسيوس، بصورة سريعة، لدرجة أن الغبار البركاني حل مكان الخلايا الحية الرطبة لسكان المدينة، ما يفسر بقاء الجثث على هيئاتها وقد تحجرت كما هي، فظهر بعضها نائم وآخر جالس وآخرون على شاطئ البحر.
واليوم أصبحت مدينة بومبي مزاراً سياحياً، وبعض المناطق فيها يحظر على الأطفال والأقل من 18 عاماً دخولها بسبب الرسومات الإباحية، وخاصة على بعض المباني والحمامات التي كانت تعرض المتعة لزبائنها.