فضل بعض الشباب لباس التنورة في وقفات احتجاجية نظمت ببعض المدن المغربية للتضامن مع فتاتين مغربيتين، وجهت لهما النيابة العامة بمدينة إنزكان جنوب المغرب، تهمة الإخلال بالحياء العام.
وجاءت هذه الوقفات استجابة لنداء أطلقه الآلاف من رواد موقع “فيسبوك”، ولقي تجاوبا من طرف نشطاء المجتمع المدني وجمعيات حقوقية وتنظيمات سياسية تنتمي للمعارضة اليسارية واليمينية.
وفي مدينة أكادير، تجمع العشرات من المحتجين أمام ولاية الأمن، منهم من حضر بلباس تقليدي كالجلباب والحجاب، وأخريات ارتدين تنانير قصيرة، شاركهم في لباسها بعض الشباب، للتعبير عن رفضهم ممارسة الرقابة على لباس الأفراد وكل ما يمس الحريات الفردية.
نفس الصورة تكررت في الوقفة الاحتجاجية التي نظمت ليلة أمس الأحد، بساحة الأمم المتحدة بالدر البيضاء، والتي سجلت حضورا مكثفا، وطغت عليها شعارات مناوئة للتيارات السلفية المتطرفة، من قبيل “إدانة نسائية للعقلية الداعشية”.
وتعرضت الأجهزة الأمنية بدورها لإدانة المحتجين، وسخطهم على طريقة تعاملهم مع الواقعة، والتي يعود تاريخها إلى 14 يونيو الجاري، أي قبل دخول شهر رمضان الكريم، وذلك حين دخلت الفتاتان سوقا شعبيا بمدينة إنزكان بمحافظة أكادير، بلباس وصف بالمثير، وتجمهر عليهن العديد من الشباب، مما دفع الفتاتين لطلب الحماية من الشرطة، والتي اعتقلتهما بأمر من النيابة العامة بتهمة الإخلال العلني بالحياء.
وجاء في رواية الفتاتين أنهما حين نزلتا من سيارتهما وكانتا متجهتين للسوق تعرضتا لتحرش من طرف أحد الشباب، وبعد رفضهما الانصياع له، حرض عليهما بعض الباعة الجائلين الذين تجمهروا حولهما، فطلبتا تدخل رجال الأمن لتأخذ الأحداث في نظرهما مجرى غير متوقع.
وأشار بيان للمركز المغربي لحقوق الإنسان، توصلت “العربية.نت”، إلى نسخة منه، إلى أن “لباس الفتاتين لم يكن بالشكل الفاضح الذي صورت به القضية، كما أن الشخصين، اللذين روجا لمبادرتهما بالصفير، ثم تبعهما أشخاص آخرون، معروفان بفكرهما المتشدد، ليدخل الطرفان في عراك بالأيدي، مصحوبا بالسب والشتم”.
وأوضح البيان أن بعض تجار السوق اللذين تزعموا المبادرة هم أنفسهم يبيعون التنورة القصيرة ذاتها، التي كانت الفتاتان ترتديانها، كما يعرضون الألبسة الداخلية للنساء، معززة بصور عديدة”.
وأبرز بيان المركز أن “سوق إنزكان، يعرف الكثير من مظاهر التجرؤ غير الأخلاقي على الفتيات، اللواتي يدخلن السوق، ترقى في كثير منها إلى جريمة التحرش الجنسي، مما يستدعي تبعا له التحقيق في الموضوع، حتى لا تتم “دعشنة” السوق، ويصبح وكرا لمناوشات من شأنها النيل من حرية ومن كرامة المواطنات والمواطنين”.
البيان ذاته أكد أيضا أن “إقدام أحد ضباط الشرطة باقتياد الفتاتين وإحالتهما، في حالة اعتقال، على أنظار النيابة العامة بابتدائية إنزكان، بتهمة الإخلال بالحياء العام، كان تقديرا خاطئا وتصرفا منقوصا، ينطوي على الكيل بمكيالين”.
موجة الاستنكار لم تبق محصورة في المستوى الشعبي، بل تجاوزته إلى المستوى الرسمي، من خلال تصريحات منفصلة لكل من نبيل بنعبدالله، وزير الإسكان والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي ندد بمتابعة الفتاتين بتهمة الإخلال بالحياء العام، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية ورئيس التجمع الوطني للأحرار.
وقال مزوار، في تصريح صحافي، إن حزبه يتابع “بقلق كبير حادث الاعتداء الذي تعرضت له شابتان في مدينة انزكان أخيرا، حيث تم تعنيفهما من طرف عدد من المتطرفين الذين يعملون كباعة متجولين داخل أحد الأسواق، بمبرر ارتدائهما لباسا غير محتشم عبارة عن تنورتين عاديتين كما هو الشأن لملايين النساء في المغرب”.
وستنظر المحكمة الابتدائية بإنزكان في هذه القضية بتاريخ 6 يوليوز القادم، وهي الأولى من نوعها في تاريخ المحاكم المغربية، وتطرح هذه الواقعة أكثر من سؤال في نظر الحقوقيين، حول مفاهيم يعتبرونها فضفاضة، كتحديد اللباس الفاضح والقصير والطويل، ومدى تعلق الأمر بجرم أو تعد على الحريات الفردية.