خوفا من غليان السخط الشعبي وكراهية المواطنين تجاه سياسات قمعية ينتهجها النظام الإيراني، اضطر الملا حسن روحاني ومديرو حكومته إلى اتخاذ مواقف صورية بشأن بعض الشؤون الاجتماعية من أجل وضع صمام أمان أمام الغضب الشعبي المتزايد. ومن جملة إجراءاتهم يمكننا أن نذكر إعطاء الجواز لإقامة حفلات موسيقية أو مشاركة النساء في مسابقات كرة الطائرة. لكنه وبما أن هذا القدر من التساهل في أبسط شؤون تنفيذية مثل الحفلات الموسيقية أو تواجد النساء في الملاعب الرياضية، يعارض الجوهر القمعي للنظام الإيراني فإن مناورات الملا روحاني ومديريه بهذه الأمور سرعان ما تواجه ردود أفعال مخالفة من جانب كبار أئمة صلاة الجمعة التابعين للخامنئي.
وتنجم الصراعات الأخيرة بين زمرتي الخامنئي وروحاني ومديريهما بشأن مواضيع تعتبر أمور بسيطة وعادية في بلدان أخرى، عن حقيقة أن زمرة رفسنجاني- روحاني تعمد إلى تلميع وجه النظام الإيراني من هذه المناورات «الاعتدالية» من هذا القبيل لكنها ومن زاوية أخرى كل ثغرة ولو صغيرة في القمع سيؤدي إلى تغيير نظام ولاية الفقيه وهذا هو جوهر مأزق يعيش فيه نظام الملالي في كافة المجالات الاجتماعية بما فيها مسألة القمع.
وكانت «مولاوردي» مستشارة الملا حسن روحاني في شؤون النساء قد دافعت في وقت سابق عن مشاركة النساء في التفرج على مسابقات كرة الطائرة لكنها وعندما واجهت مناوئة شديدة من جانب زمرة الخامنئي والمراجع الحكومية تراجعت عن مواقفها وقالت: «بسبب أن الحكومة تحترم المراجع وآرائهم، قررت أن يتم مراعاة هذه الإجراءات بشأن مشاركة النساء في الملاعب الرياضية».
وكان سبب تراجع مستشارة الملا روحاني يعود الى تصريحات أدلى بها الملا مكارم شيرازي حينما قال: «في الوقت الحالي لا ضرورة لطرح مسألة دخول النساء الملاعب الرياضية أو فلان حفلة موسيقية هنا وهناك. وهذا الأمر لا يفك عقدة ولا ينبغي أن تطرح مواضيع بين الحكوميين تسبب في ازعاج قوى الأمن الداخلي» (وكالة أنباء تسنيم- 13حزيران/يونيو 2015)
الملا علوي كركاني هو الآخر قد قال: «هل ثار الشعب الإيراني لتحضر النساء الملاعب الرياضية؟»
مولاوردي التي تراجعت وبهذه الخسة هي من أكدت في مقابلة أجرتها معها وكالة أنباء إيلنا الحكومية في 1يوليو/تموز خوفا من وضع النساء في المجتمع وما يتداعي عنه للنظام الإيراني ، قائلة: «في الوقت الذي أصبح فيه مجتمعنا مصابا بمرض الاكتئاب وإنه بحاجة إلى السرور والحيوية وعندما هبط سن الإدمان إلى 13سنة لدى الفتيات اللواتي يتعاطين المخدرات لإيجاد متعة كاذبة فإننا نعتبر من الضروري أن نتخذ هذه الإجراءات من أجل إيجاد هيجان ونشاط بين النساء والفتيات».
لكن وبما أن نظام ولاية الفقيه لايمكنه أن يتحمل أي ثغرة في مجال القمع ، فان زمرة الولي الفقيه تعترض على تصريحات مولاوردي أثناء جلسة برلمان النظام الإيراني. واعتبرت فاطمة رهبر رئيسة لجنة المرأة والعائلة لدى برلمان النظام الإيراني، تصريحات مولاوردي بمثابة تصريحات متسارعة خارجة عن الخبرة وقالت: «كتبت السيدة مولاوردي مذكرة معربة عن قلقها فيها بشأن عدد النساء النائمات في علب الكرتون وهبوط سن الإدمان لدى الفتيات وظلم يفرض بحقهن. وفي المقابل كتبت نائبات المجلس اليوم مذكرة بشأن تصريحاتها وأرسلناها إلى السيد رئيس الجمهورية».
وأثارت مسألة إقامة حفلات موسيقية من عدمها أجواء صخبة في نظام الملالي إلى حد هاجم رئيس السلطة القضائية الملا روحاني مؤكدا على أنه لماذا أطلق في مؤتمره الصحافي بيوم 13حزيران/يونيو 2015 تصريحات حين قال: «يجب أن نلتزم كلنا بالقانون ولا نبحث عن الاجتهاد. يجب حل هذه المشكلة ولاينبغي أن يبحث أحد عن الاجتهاد الشخصي. الاجتهاد يرتبط بحوزات علمية بينما يجب أن نلتزم بالقوانين. وكلما يصدر جهاز جوازا فيجب أن نحترمه ونحترم القانون. وعندما يصدر جواز في إطار القانون لإقامة حفلة موسيقية ومن ثم يشتري المواطنون تذاكر ويستعدون للمشاركة فيها فإن هذه الإجراءات تعتبر تضييع حقوق المواطنين قبل أن تكون تضييع حقوق أصحاب الثقافة».
وفي مواجهة تصريحات الملا روحاني أكد الملا آملي لاريجاني أثناء منتدى السلطة القضائية قائلا: «يجب أن أقدم بعض الإيضاحات بشأن إقامة حفلات موسيقية. يؤسفني جدا حينما أسمع أن ملا تكلم في جلسة عن أن إلغاء الحفلات الموسيقية يعتبر خلافا لحقوق المواطنين. وهذا مثير للعجب؟».
الحقيقة هي أن النظام الإيراني إن كان من المقرر أن يتحمل يوما ما بعض الثغرات ولو صغيرة في مسألة القمع وإقامة حفلات موسيقية ومشاركة النساء في مشاهدة المسابقات الرياضية عندذلك فلم يبق من نظام ولاية الفقيه شيء يذكر. نعم وبسبب أن النظام الإيراني يقلق من سقوطه فإنه مضطر إلى سد كل ثلمة في المجالات الاجتماعية يوما بعد يوم.