عندما كنت صغيرة كنت أرى تلك المرآة في كل يوم بعد صلاة العصر تجلس وتفترش الأرض بقطعة قماش اوبطانية وتضع أمامها مسجل كنت اسمع من خلاله الأناشيد والاشعار في الزهد والمدح والقرآن والأخبار ربما لم أكن أستوعب مايبثه المذياع ومايبوح به المسجل كثيرا بالضبط لصغر سني ولكن اقدر ان اقول انها كانت ابتهالات دينية في المقام الأول كانت تضع أمامها العصىا التي دائما كانت تتكئ عليها عندما تمشي في فناء المنزل أذكر شكلها جيدا تلك العصا وكأنها انتقلت من جيل إلى جيل بما تحمله من تشققات وملامح قديمة شبيه لعصا الخيزران او القصب وكان يزين معصمها ساعة لا اعلم من اي ماركة ولكن كانت الأرقام بالعربية وفيها صورة الكعبة وتجاهات القبلة توحي بأنها ساعة من الزمن الجميل وكانت تلك المرآة في يوم الأثنين والخميس تضع امامها كوب من الماء كنت اراقبها رغم اني انا واخواتي مشغولون بالعب مثل باقي الأطفال وربما بشقاوة الطفولة كنا نزعجها كثيرا تقراء على الماء وتنفث فيه ثم نأتي ونشرب منه وكان له طعم جميل جدا كنا نتعارك لكي نفوز بشربة ماء من كوب تلك المرآة بعفوية الأطفال وفي يوم من الأيام سقطت تلك المرآة واخذت للمستشفى واسدل الستار على المكان الذي كانت تجلس فيه تلك المرآة في فناء المنزل فقد اصيبت بجلطة دماغية ولم تعد تعرف من يزورها وأين هي لأنها في غيبوبة كاملة لكن في بعض الأحيان تبدأ تتكلم تسأل عن فلان وفلان وعن زوجها هل رجع من السوق مع ان زوجها متوفي قبل عشرين سنة اي اصبحت تخرف بسبب الغيبوبة وفي يوم جاء الخبر اليقين بأنها قد ماتت فتجهت ابنتها لإلقاء نظرة الوداع الاخيرة على امها قبل ان تنقل إلى المقبرة فستوقفتها الممرضة وسألت بنت تلك المرآة هل المتوفية امك قالت نعم.
قالت الممرضة الله يرحمها لقد بدات تقراء القرآن من الثانية عشر ليلا حتى الثانية عشر ظهرا ختمته عن ظهر غيب ثم توفاها الله تلك المرآة هي جدتي وابنتها أمي قال الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
اللهم اني اسالك حسن االخاتمة لي ولجميع المسلمين اللهم امين