تردد خلال العقود الثلاثة الماضية الكثير حول “علاقات سرية بين طهران وتل أبيب”، حيث كانت ذروتها فضيحة “إيران كونترا” أو “إيران جيت” أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والتي تم خلالها تزويد إيران بصواريخ مضادة للدروع من قبل إسرائيل في صفقة لإطلاق سراح الرهائن الأميركيين في طهران.
ولكن اليوم تأتي محاولة من نوع آخر يبدو أنها شعبية، وترنو إلى إعادة العلاقات بين تل أبيب وطهران بعد أن قُطعت منذ انتصار ثورة 1979 ضد الشاه.
وفي هذا الشأن نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في نسختها الإنجليزية صورة جماعية لعدد من الفنانين والنشطاء المدنيين الإسرائيليين يحملون علم “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وليس علم المعارضة الإيرانية، مؤكدة إنهم ينوون افتتاح سفارة لإيران في إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن الغرض من هذا الإجراء تقريب البلدين عبر التأكيد على ما وصفوه بـ”الجوانب الإيجابية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” وتصحيح “الصورة السلبية التي يرسمها الإعلام الإسرائيلي عن النظام الإيراني”.
وقال النشطاء إنهم سيقيمون في هذه “السفارة الإيرانية” الرمزية، معرضا لآثار فنانين إيرانيين بجوار مكتب رسمي ومكان لاستضافة الإسرائيليين وتقديم المأكولات الإيرانية، وسيرفعون أيضا أعلام إيران الرسمية في عدد من مدن الدولة العبرية.
وكانت قبل الثورة تربط الجانبين علاقات سياسية شبه علنية وتبادل تجاري علني وتعاون فني وزراعي واسع وبعد قطع العلاقات .
البحث عن سفير رمزي
وتأتي هذه الحملة لتحسين صورة إيران من قبل مواطنين إسرائيليين في الوقت الذي لم ينفك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحذر العالم من خطورة إبرام “اتفاق نووي سيء” مع إيران منتقدا البيت الأبيض بهذا الشأن.
المشكلة الأخرى التي يوجهها هؤلاء النشطاء إيجاد سفير رمزي ليدير هذه السفارة الرمزية مما حدا بهم للبحث عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي في أوساط المجموعات الإسرائيلية الإيرانية.
وجاء في الدعوة الموجهة لكافة الإيرانيين المقيمين في إسرائيل والعالم لملء كرسي السفير الشاغر: “ندعوكم إلى المساهمة في الرحلة الرائعة إلى السفارة الإيرانية بإسرائيل، ولكن لن ندفع أي راتب للسفير والعاملين في السفارة في هذه الحملة الفنية”.
وردا على سؤال حول التخوف من ردود افعال المعارضين، أكد النشطاء أنهم لن يبتعدوا عن قيمهم اليهودية، ويريدون إظهار الإيجابيات الإيرانية على حد تعبيرهم، مضيفين أن مسؤولي بلدية تل أبيب هم الذين منحوهم هذه الأرض وأنهم سعيدون إزاء ما تقوم به هذه المجموعة وقال أحدهم سيزود الحملة بفيديو لوالدته اليهودية من أصول إيرانية.
يذكر أن إيران الشاه كانت اشترت قبل عام 1979 قطعة أرض في تل أبيب لإنشاء مبنى السفارة الإيرانية عليها وحسب القوانين الدولية تعتبر طهران المالك الأصلي لهذه الأرض رغم أنها تحولت إلى حديقة من قبل الإسرائيليين.
نماذج للتعاون بين طهران وتل أبيب
وأثارت وسائل إعلام إسرائيلية ودولية مرارا تواصل التبادل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدولة العبرية رغم قطع العلاقات وخلافا لشعار “رمي اليهود في البحر” الذي كان يطلقه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من جهة ومعارضة الدولة العبرية مع الاتفاق النووي بين طهران والمجتمع الدولي.
وعلى سبيل المثال ذكر تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية بتاريخ 1989/12/20 أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أبلغت الجانب الأميركي بإعادة شراء النفط من إيران.
وكشفت صحيفة يدعوت أحرونوت في عددها الصادر بتاريخ 13-12-2002 عن زيارة مسؤول حكومي إيراني سرا لتل أبيب بغية استئناف عمل أنبوب نفط “إيلات-أشكلون” التي تتناصف طهران وتل أبيب ملكيته.
وأثارت صحف إسرائيلية استخدام الحرس الثوري لأجهزة تنصت إسرائيلية الصنع خلال عمليات قمع المتظاهرين الإيرانيين في عام 2009، ونشرت صحيفة “هآرتس” الناطقة بالعبرية في سبتمبر 1998 تقريرا عن علاقات تجارية لـ”نحوم مانبار” المرتبط بالموساد مع طهران حيث باع منذ 1990 إلى 1994 حوالي 150 طنا من مادة تستخدم في صناعة غاز الخردل السام ووقع مع الجانب الإيراني عقدا لإنشاء مصنع يمكن الإيرانيين من صنع أسلحة كيمياوية.
وكشف “مانبار” للصحيفة أنه باع لإيران منذ 1988 إلى 1992 عبر شركة بولندية كميات كبيرة من الأسلحة. وتحدثت الصحيفة في تقرير آخر في شهر يناير 1999 عن تورط إسرائيلي آخر في هذه الصفقات. وبين عامي 1992 و1994، باعت شركة إسرائيلية يمتلكها “موشي ريجيف” إلى إيران معدات وتقنيات تستخدم في إنتاج الغازات السامة من قبيل السارين والخردل.
وكان القضاء الإسرائيلي حكم على “نحوم مانبار” بالسجن 17 عاما بتهمة بيع أسلحة وتقنية عسكرية إسرائيلية لإيران إلا أنه كشف في جلسات المحاكمة عن أسماء لأكثر من 170 شركة إسرائيلية على علاقات تجارية مع إيران وتبيعها مختلف المنتجات الصناعية والعسكرية، مؤكدا أن السلطات الإسرائيلية كانت على اطلاع على الكثير من تلك العلاقات.
ومن الضرورة التذكير بآخر العلاقات التجارية بين إيران وشركات إسرائيلية ومنها كارتل سامي عوفر التي استمرت 10 أعوام. وكشفت صحيفة “كال كاليست” الإسرائيلية عن تردد سفن تابعة لشركة “زودياك” تخضع لكارتل عوفر على موانئ إيرانية ونقل البنزين من موانئ بندر عباس وجزيرة خارج بواسطة ناقلات تابعة لشركة “باسفيك” يمتلكها “سامي عوفر” أيضا، ما دفع الغرب إلى فرض عقوبات على كارتل عوفر في إطار العقوبات المفروضة على إيران.
نائب إيراني: 55 شركة تتعاون مع إسرائيل
وكانت الصحافة الإيرانية نقلت في مايو 2014 تصريحات نائب في البرلمان الإيراني أن 55 شركة إيرانية إما تتعاون مع شركات إسرائيلية أو هي فروع لشركات إسرائيلية تنشط في إيران، داعيا وزارتي الأمن والاستخبارات والخارجية إلى إجراء التحقيقات بهذا الخصوص وإبلاغ البرلمان بالنتائج.
وجاء هذا التصريح الخطير على لسان مصطفى أفضلي فرد، المتحدث باسم “لجنة البند 90” في البرلمان، ومهمتها متابعة الشكاوى ضد السلطات الثلاث، حسب وكالة فارس للأنباء شبه الرسمية.
وحول موقف اللجنة البرلمانية من وزارتي الاستخبارات والخارجية اللتين لم تقدما تقريرا بخصوص الشركات الإسرائيلية الناشطة في إيران، رد النائب قائلا إن اللجنة ستتخذ قراراتها بنفسها، وستعتبر كافة الشركات المذكورة والتي تبلغ 55 شركة أنها “صهيونية”، على حد تعبيره، داعيا إلى حل الهيئات الإدارية فيها، ووقف الدعم المالي والإداري والتنفيذي الذي تتلقاه من الحكومة.
هذا ولم يكشف النائب عن أسماء الشركات وطبيعة أنشطتها ومدى تعاونها مع إسرائيل التي طالما أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن رفضها الاعتراف بها، وردد الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، شعارات نارية تدعو إلى محو “الكيان المحتل للقدس” من الوجود، مشككا في المحرقة اليهودية.