أزمة ارتداء الفتيات للبنطلون تطل برأسها مرة أخرى في السودان، حيث أصدرت محكمة شمال الخرطوم، حكما قضى بتغريم فتاتين مسيحيتين 500 جنيه سوداني (خمسة وسبعون دولار) تقريباً، وذلك على خلفية ارتدائهما البنطال أثناء خروجهما من كنيسة في إحدى مناطق العاصمة السودانية.
وذكرت المحكمة في حيثياتها بأن المدانتين تم القبض عليهما من قبل شرطة النظام العام وتقديمهم لمحكمة الاختصاص بالخرطوم بحري، وأصدرت حكماً على كلٍّ من فردوس ألتوم ورحاب كومي بالغرامة المذكورة؛ لارتدائهما “بنطلون”، الأمر الذي اعتبرته المحكمة بأنه “زي غير لائق”، بحسب قانون النظام العام.
وأوقفت شرطة “النظام العام” فردوس آلتوم (19 عاما) مع 11 فتاة مسيحية أخرى في يونيو/حزيران من خلال تواجدهن أمام الكنيسة المعمدانية الإنجيلية في شمال الخرطوم، حيث كن يحضرن قداساً للصلاة، واقتادتهن إلى مركز محلي للشرطة في شمال الخرطوم، ووجهت إلى 10 منهن تهمة ارتداء الزي الفاضح، بموجب المادة 152 من القانون الجنائي لسنة 1991، بينما أخلت سبيل فتاتين.
وتتفاوت أعمار الطالبات بين 17 و23 سنة، وجميعهن مسيحيات، وهن في الأصل من جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان، ونوهت الفتيات إلى أنهم حين القبض عليهن، كانت بعضهن يرتدين البنطلون بينما ارتدت أخريات التنانير، وأفرج عن اثنتين من الطالبات بعد نحو 4 ساعات من القبض عليهما، بينما أفرج عن العشر الأخريات بالكفالة حوالي الساعة 10 من مساء 27 يونيو.
من جهته أوضح محامي الفتيات، مهند مصطفى الحسين، في تصريحات صحفية، اليوم الأربعاء، أنه تم القبض على اثنتي عشرة فتاة عند خروجهن من الكنيسة في العاشرة مساء، وأضاف: “وبعد وصولهن إلى مركز الشرطة تم اطلاق سراح اثنتين منهن بعدما قرر المسؤولون في المركز أنهما ترتديان زياً لائقاً فيما دونت بلاغات بحق الأخريات”.
واعتبر الحسين أن المادة 152 غير واضحة ولم تحدد معياراً “للزي الفاضح”، ما أطلق يد رجال الشرطة للقبض على النساء واستغلالهن، بدليل أنه في هذه الحادثة تم القبض على اثتني عشرة فتاة بتهمة ارتداء الزي الفاضح، وعند وصولهن إلى المركز قرر الشخص المسؤول ان اثنتين منهن ترتديان زيا مناسباً.
وبحسب المراقبين ونشطاء قانونيين فإن المادة 152 من قانون النظام العام، “تتسم بالغموض في الصياغة وذات طابع تمييزي، ولا تتماشى مع الالتزامات الدولية للسودان حيال حقوق الإنسان”.
وأشار الحسين إلى أن “ضغوطات من قبل ناشطين ومنظمات حقوق الانسان دفعت المحكمة للتخلي عن عقوبة الجلد في مثل هذه الحالة”، وأضاف: “بدلا من أن يقوم القاضي بإعلان حكم البراءة، قام بإدانتهم دون عقاب، هذا الأمر بحد ذاته قرار غير قانوني”.
وفي غضون ذلك، حثت منظمة العفو الدولية “أمنستي” الحكومة السودانية على إسقاط التهم الموجهة للفتيات فوراً دون قيد أو شرط، كما أدان الاتحاد الأوروبي محاكمة الطالبات واثنين من القساوسة.
وناشدت المنظمة الرئيس عمر البشير ووزيري العدل والداخلية التدخل لحض السلطات السودانية على إسقاط التهم الموجهة للطالبات المسيحيات العشر فوراً ودون قيد أو شرط؛ وإلغاء عقوبة الجلد، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ إلى جانب إلغاء المادة 152 من القانون الجنائي.
وأشارت “العفو الدولية” إلى أن شرطة النظام العام “أخضعت الطالبات لمعاملة مهينة للكرامة وللإساءة اللفظية المهينة أثناء اعتقالهن”، موضحة أن المادة 152 تعطي سلطات موسعة للشرطة على أي شخص بتهمة “التزين بزي فاضح”، وبمعاقبة الشخص، إذا ما وجد مذنباً، بأربعين جلدة، أو بغرامة، أو بكليهما، “وفي واقع الحال، يستخدم القانون بصورة حصرية ضد المرأة”.
الجدير بالذكر أنه في عام 2009 واجهت الحكومة السودانية غضباً دولياً اثر اعتقال الصحافية، لبنى حسين، ومعها 13 امرأة مسيحية أخرى والذين تعرضوا للتهديد أيضا بعقوبة جلدهن 40 جلدة لارتدائهن البنطلون.