جزيرة فيدل كاسترو، التي شاكست الأميركيين وناصبتهم العداء طوال 54 سنة، وأزعجتهم كحبة حصى مؤلمة في الحذاء، إلى درجة جعلت من نفسها فتيلا كاد يشعل حربا نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي زمن “أزمة الصواريخ” الشهيرة، تعود هذا الاثنين إلى حضن الجارة الأكبر والأهم، وتفتح سفارتها في مبنى تاريخي وجميل بنته قبل 98 سنة خصيصا ليكون مقر بعثتها الدبلوماسية في واشنطن.
هذا الاثنين سيزيلون هذه اللوحة من سفارة كوبا بواشنطن، والشهر المقبل من السفارة الأميركية بهافانا
السفارة التي تم إغلاقها حين قطعت الولايات المتحدة علاقتها الدبلوماسية في 1961 مع كوبا، وفرضت عليها حظرا تجاريا، شمل الصغيرة والكبيرة، من سكر وسيجار وسيارات وطائرات، وجلب للجزيرة متاعب من الأسوأ، سيعيد وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغز افتتاحها بحضور نظيره الأميركي جون كيري، وبدوره سيرد كيري الزيارة بعد شهر ليعيد افتتاح السفارة الأميركية، المغلقة في هافانا منذ ذلك العام الذي غطت العلاقات بين البلدين من بعده في غيبوبة استمرت عشرات السنين.
كانت غيبوبة قاسية جدا على كوبا، وأنهاها تقارب بين البلدين، لخصه الرئيس الأميركي باراك أوباما بكلمة ألقاها في أول يوليو الجاري، وقال: “منذ أكثر من 54 سنة خلت، وفي ذروة الحرب الباردة، أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في هافانا، وأعلن اليوم رسمياً عن إعادة إنشاء علاقات دبلوماسية مع جمهورية كوبا، وإعادة افتتاح سفارتينا في بلدينا” منهيا مع الجزيرة عداء استمر عشرات السنين.
وأصبحت كوبا “حصان طروادة” سوفيتي قرب أميركا
وبدأ العداء عمليا بفرار الدكتاتور الكوبي فولغنثيو باتيستا، المدعوم أميركيا بخمسينيات القرن الماضي، في اليوم الذي زحف فيه فيدل كاسترو وزملاؤه الثوريون الماركسيون على هافانا بأول يناير 1959، حيث أقاموا نظاما شيوعيا جعل البلاد البالغ سكانها الآن 12 مليونا أشبه بحصان طروادة سوفيتي وقريب كحاملة طائرات وصواريخ طبيعية 144 كيلومترا فقط من الساحل الأميركي.
واحتدمت السلبيات بين الولايات المتحدة والجارة الصغيرة المشاكسة، وانتهت بالبديهي بعد عامين، فتم إغلاق سفارتي البلدين، وتحويل كل مقر إلى “دائرة مصالح” تابعة بدءا من 1977 لسفارتي سويسرا بهافانا وواشنطن، طبقا لما قرأت “العربية.نت” من مراحل العداء الكوبي الأميركي طوال أكثر من 5 عقود، إلا أن هذا الاثنين سيكون تاريخيا بعودة العلم الكوبي ليرفرف من جديد فوق مبناه بعد غياب طويل.
حين استهدفوا السفارة بهجومين إرهابيين
في واشنطن، وهو تقريبا من أجمل مبانيها “وأكثرها غموضا”، بحسب ما تصفه بعض وسائل الإعلام الأميركية أحيانا، وبدأوا ببنائه في1916 وانتهى بأقل من عامين، ليطلقوا عليه في 1917 اسم “موقع جمهورية كوبا” ثم أصبح في 1923 سفارة، زارها جميع رؤساء كوبا، وأشهرهم وآخرهم في أبريل1959 فيدل كاسترو نفسه، وكانت زيارة شخصية وشهيرة، معلوماتها متوفرة “أونلاين” لمن يرغب.
وفي المقابل، لا نجد أي رئيس أميركي زار كوبا أثناء توليه الرئاسة، إلا كالفين كوليدج، الراحل في 1933 بعمر 61 سنة، فقد كانت تربطه صداقة برئيسها خيراردو ماتشادو، دفعته ليزور معه في 1927 سفارة كوبا بواشنطن، والتقطا صورا عدة هناك، ثم زار هافانا في 19 يناير 1928 ومعه زوجته، غريس كوليدج، وجاءت وفق ما طالعت “العربية.نت” عن فعالياتها، بفرحة كبيرة لكوبيين لم يروا بحياتهم رئيسا أميركيا غيره، إلا حين زارهم في 2011 جيمي كارتر، لكن بعد سنوات من العيش خارج البيت الأبيض.
ومع أن مبنى السفارة الكوبية كان في واشنطن برعاية وحماية السويسرية، المحمية بدورها من أمن السفارات الأميركي، إلا أن معادين كوبيين لكاسترو، وهم بمئات الآلاف في الولايات المتحدة، خصوصا بفلوريدا الأقرب للجزيرة، استهدفوه في 8 يونيو 1978 بعبوات انفجرت ووصل خرابها إلى طوابقه الثلاثة وسفارات مجاورة، ثم تلاه آخر قامت به بعد عام مجموعة سمت نفسها Omega 7 وفجرت قنبلة متنوعة المحتويات الناسفة، ومن بعدها نعم المقر بالاستقرار، منتظرا أن يعود إلى زمن كان فيه سفارة.